تأثير الأشعة الزرقاء على العيون ودور العدسات المتخصصة
محمود احمد
محمود احمد
15 أكتوبر 2025

تأثير الأشعة الزرقاء على العيون ودور العدسات المتخصصة

في عالمٍ تسوده الشاشات بكل أشكالها، أصبحت أعيننا تتعرض يوميًا لجرعات متزايدة من الأشعة الزرقاء عالية الطاقة الصادرة من الهواتف، الحواسيب، وأجهزة التلفاز. ومع طول فترات الاستخدام، يبدأ الخطر الصامت بالتغلغل تدريجيًا في صحتنا البصرية دون أن نعي مدى عمق تأثيره. ومع تصاعد النقاش حول هذه الظاهرة، يتزايد الوعي الجماعي بضرورة معرفة ما يحدث للعيون فعلًا عند التعرض المستمر لهذا النوع من الضوء.

هذا المقال يضيء على تأثير الأشعة الزرقاء على العيون ودور العدسات المتخصصة من منظور علمي شامل، مستندًا إلى أحدث الأبحاث، توصيات الأطباء، ونصائح عملية تساعدكم في اتخاذ قرارات أكثر وعيًا للحفاظ على صحة البصر amid عالمٍ رقمي لا يمكن الاستغناء عنه.

ما هي الأشعة الزرقاء؟

الأشعة الزرقاء هي جزء من طيف الضوء المرئي، تمتد أطوالها الموجية بين نحو 380 و500 نانومتر. تصدر طبيعيًا من ضوء الشمس، وهي المصدر الأول لهذا النوع من الإشعاع الذي نتعرّض له يوميًا في الهواء الطلق. أما من الناحية الصناعية، فتنبعث الأشعة الزرقاء من الشاشات الإلكترونية المستخدمة في الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، والتلفزيونات، بالإضافة إلى الإضاءة بتقنية LED المنتشرة في المنازل وأماكن العمل.

هذا الانتشار الواسع جعلها حاضرة في حياة الجميع، سواء أثناء العمل أو الدراسة أو حتى أثناء الترفيه أمام الشاشات.

ما خصائصها؟

  • تتميز بطول موجي قصير يتراوح ما بين 380 و500 نانومتر، ما يجعلها من أقصر الأطوال الموجية في الضوء المرئي.
  • تمتلك طاقة عالية نسبيًا بالمقارنة مع ألوان الضوء الأخرى، وهو ما يمنحها القدرة على اختراق أنسجة العين والوصول إلى طبقات عميقة مثل الشبكية.
  • تنتشر بسهولة في الأجواء، ولهذا السبب يظهر السماء باللون الأزرق نتيجة تشتت هذا الضوء.
  • ترافقنا باستمرار في الحياة اليومية نظرًا للاستخدام الكثيف للأجهزة الرقمية والإضاءات الحديثة التي تبعث كميات ملحوظة منها.

ما تأثير الأشعة الزرقاء على العيون؟

  • إجهاد العين الرقمي يظهر بعد فترات طويلة أمام الشاشات، إذ تضطر العين للتركيز المستمر على مسافات قريبة ما يسبب تعبًا سريعًا في العضلات البصرية.
  • جفاف وتشوش الرؤية نتيجة انخفاض وتيرة الرَمش أثناء النظر إلى الأجهزة الإلكترونية، فيقلّ ترطيب سطح العين ويتأثر وضوح الرؤية.
  • الصداع وألم العينين من العلامات الشائعة للتعرض المفرط للأشعة الزرقاء، ويزداد مع الإضاءة غير المريحة أو الجلوس أمام الشاشة في الظلام.
  • ألم الرقبة والكتفين ينشأ بسبب الوضعية غير الصحية أثناء استخدام الحاسوب أو الهاتف لفترات ممتدة، ويترافق مع توتر في العينين والعصب البصري.

ما المخاطر الطويلة المدى؟

  • تدهور شبكية العين قد يحدث عند التعرض المزمن للأشعة الزرقاء، فهي تملك قدرة على اختراق طبقات العين العميقة والوصول إلى الشبكية الحساسة.
  • الضمور البقعي المرتبط بالعمر تشير دراسات إلى أن الموجات الزرقاء قد تسهم في تسارع هذا النوع من التدهور البصري مع مرور السنوات.
  • احتمالية الإصابة بإعتام العدسة لا تزال قيد البحث، لكن بعض الأدلة تلمّح إلى أن التعرض الطويل قد يغيّر شفافية العدسة بمرور الوقت.
  • الاشتباه في العلاقة مع أورام العين الخبيثة إلا أن المعطيات العلمية حول ذلك محدودة وتحتاج إلى مزيد من الدراسات المؤكدة.

ما تأثيرها على النوم؟

الأشعة الزرقاء المنبعثة من الشاشات في المساء تربك الإيقاع اليومي الطبيعي للجسم، إذ تؤخر إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن الاستعداد للنوم، مما يؤدي إلى صعوبة في الاستغراق بالنوم أو إلى نوم متقطع وأرق مزمن لدى بعض الأشخاص.

هل الأطفال أكثر حساسية؟

عيون الأطفال أكثر شفافية من عيون البالغين، ما يعني أن الأشعة الزرقاء تمر بسهولة أكبر إلى أعماق العين. هذا يجعلهم أكثر عرضة لتأثيراتها السلبية، لذلك يوصي أطباء العيون بتحديد وقت استخدام الأجهزة الرقمية وتشجيع فترات راحة منتظمة لحماية بصرهم في سن مبكرة.

كيف تقلل العدسات المتخصصة من تأثير الأشعة الزرقاء؟

العدسات المتخصصة، أو ما يُعرف بعدسات الحماية من الأشعة الزرقاء (Blue Cut)، تم تصميمها بتقنية دقيقة تحتوي على طبقة مرشحة تعكس أو تمتص جزءاً من الطيف الضوئي الذي يتراوح بين 380 و500 نانومتر، وهو النطاق الأكثر ضرراً للعين.

بفضل هذه الطبقة، تقل كمية الضوء الأزرق عالي الطاقة التي تصل إلى الشبكية، مما يخفف من إجهاد العين الرقمي الناتج عن الاستخدام الطويل للأجهزة الإلكترونية، ويساعد كذلك على تنظيم إيقاع النوم عبر تقليل تأثير الضوء على إفراز هرمون الميلاتونين.

ما أنواع العدسات المتوفرة؟

  • العدسات الشفافة: مخصصة للاستخدام اليومي، وتناسب الأشخاص الذين يقضون فترات معتدلة أمام الشاشات، إذ توفر حماية دون أن تؤثر على رؤية الألوان.
  • العدسات الصفراء أو البرتقالية: تستخدم في البيئات ذات الإضاءة الزرقاء القوية أو أثناء العمل الليلي الطويل، فهي تعزز التباين وتقلل من التوهج بشكل ملحوظ.
  • العدسات الطبية المدمجة بفلتر أزرق: مناسبة لمن يحتاجون إلى تصحيح البصر وفي الوقت نفسه حماية إضافية من الضوء الأزرق، ما يجعلها خياراً عملياً لمن يرتدون النظارات بشكل مستمر.

متى ينصح باستخدامها؟

ينصح بارتداء هذه العدسات عند العمل لفترات طويلة أمام الحواسيب أو الشاشات اللوحية، أو أثناء الدراسة الإلكترونية التي تتطلب تركيزاً بصرياً متواصلاً.

كما تفيد في حالات الشعور المتكرر بالصداع أو التهيّج البصري بعد استخدام الأجهزة، إذ تساعد العدسات المتخصصة على تخفيف هذه الأعراض وتحسين راحة العينين خلال الاستخدام اليومي للتقنيات الرقمية.

ما مدى فعالية العدسات المتخصصة فعليًا؟

تشير الدراسات السريرية الحديثة إلى أن عدسات الحماية من الأشعة الزرقاء تُحدث فارقًا ملموسًا في تقليل أعراض إجهاد العين الرقمي. فقد أظهرت نتائج الأبحاث أن المستخدمين شعروا براحة بصرية أكبر أثناء العمل أمام الشاشات، مع تحسن في جودة النوم بفضل تقليل اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية الناتج عن الضوء الأزرق.

وتوضح البيانات المتوفرة أن هذه العدسات تساهم بشكل خاص في الحد من صداع العين وجفافها وتقليل الإحساس بالإرهاق البصري بعد فترات مطولة من استخدام الأجهزة الرقمية.

هل تحمي من الأمراض المزمنة؟

حتى الآن، لا توجد أدلة علمية قاطعة أو نتائج سريرية تؤكد قدرة العدسات المتخصصة على الوقاية من أمراض العين المزمنة مثل الضمور البقعي أو فقدان البصر الدائم. لذلك لا يُنصح بالاعتماد عليها كوسيلة حماية مطلقة. تُوصي الجهات الطبية بدمج استخدامها مع ممارسات وقائية أخرى، مثل تقليل مدة التعرض المباشر للشاشات، والحفاظ على فترات راحة منتظمة للعين.

هل تؤثر جودة العدسة؟

تلعب جودة العدسة دورًا حاسمًا في فعاليتها. العدسات الأصلية المزودة بطبقة ترشيح فعالة والمعتمدة من جهات موثوقة تقدم نتائج أفضل بكثير من تلك التقليدية أو منخفضة الجودة.

من المفيد اختيار منتجات تحمل شهادات جودة واضحة والتأكد من تركيبها الصحيح على النظارة، لأن العدسات الرديئة قد تقل فعاليتها أو تُسبب انعكاسات إضافية مزعجة. لذا يُنصح دائمًا بالاستشارة مع اختصاصي البصريات قبل الشراء لضمان الحصول على حماية حقيقية تتناسب مع احتياجاتكم البصرية اليومية.

كيف يمكن تقليل أضرار الأشعة الزرقاء؟

  • تقليل وقت الشاشة اليومي يساعد في خفض كمية الأشعة الزرقاء التي تتعرض لها العيون، خصوصًا لدى الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الأجهزة الذكية.
  • تفعيل خاصية الوضع الليلي في الهواتف وأجهزة الحاسوب يقلل من انبعاث الضوء الأزرق ويجعل الإضاءة أكثر دفئًا وأقل ضررًا.
  • استخدام مرشحات الشاشة الإضافية، سواء كانت لاصقة أو في شكل طبقة حماية زجاجية، يحدّ من نفاذ الأشعة الضارة بشكل فعال.
  • زيارة طبيب العيون بانتظام تتيح فحص النظر ومتابعة أي علامات إجهاد أو جفاف ناتجة عن التعرض المستمر للشاشات.
  • الاعتماد على العدسات المتخصصة التي تحتوي على طبقات مضادة للأشعة الزرقاء يعزّز الحماية ويكمل الإجراءات الوقائية اليومية.
  • ضبط إعدادات الإضاءة في أماكن العمل أو الدراسة لتجنب التباين الشديد بين الشاشة والإضاءة المحيطة، مما يقلل من إجهاد العينين.

ما قاعدة 20-20-20؟

تطبيق قاعدة 20-20-20 يُعد وسيلة بسيطة وفعالة لتخفيف إجهاد العين الناتج عن التحديق المستمر في الشاشات. فبعد كل 20 دقيقة من العمل، يُنصح بالنظر إلى جسم يبعد 20 قدمًا (ما يعادل نحو 6 أمتار) لمدة 20 ثانية. هذه الاستراحة القصيرة تمنح عضلات العين فرصة للاسترخاء وتعيد تركيز البصر بشكل طبيعي، مما يقلل من الجفاف والتعب البصري.

هل الوضع الليلي فعال؟

نعم، الوضع الليلي فعال جزئيًا في تقليل تأثير الأشعة الزرقاء على العيون. فعند تفعيله، تتحول الإضاءة المنبعثة من الشاشة إلى درجات أكثر دفئًا وأقل سطوعًا، مما يخفف من إجهاد العين ويقلل من اضطراب النوم الناتج عن التعرض للضوء الأزرق في المساء. ويمكن تعزيز هذه الفعالية من خلال الجمع بينه وبين العدسات المتخصصة وضبط الإضاءة المحيطة.

الأسئلة الشائعة حول الأشعة الزرقاء وعدسات الحماية 

هل الأشعة تؤثر على العدسات؟

الأشعة فوق البنفسجية وليس الزرقاء فقط قد تؤثر على عدسة العين الطبيعية مع التقدم في العمر، إذ تسرّع من عملية الإعتام وتسبب تغيّرات في صفاء العدسة. أما العدسات الاصطناعية ذات الجودة العالية فلا تتأثر بهذه الأشعة بشكل مباشر، لأنها تُصمّم بمواد مقاومة تمتص جزءًا كبيرًا من الإشعاعات المؤذية وتحافظ على وضوح الرؤية لفترات طويلة.

هل الضوء الأزرق يضر العين؟

نعم، يمكن للضوء الأزرق أن يخترق طبقات العين العميقة ويصل إلى خلايا الشبكية، مما قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في الرؤية المركزية. ولهذا يُنصح بالتحكم في التعرض لهذا النوع من الضوء، خصوصًا أثناء استخدام الشاشات لفترات طويلة، لتجنّب خطر التدهور البصري والإجهاد المزمن.

الخلاصة

مع تزايد اعتمادنا اليومي على الأجهزة الرقمية، أصبح تأثير الأشعة الزرقاء على العيون مسألة لا يمكن تجاهلها. هذا النوع من الضوء يشكل عامل مخاطرة واضحًا لصحة العينين، إذ يسهم في إجهاد البصر ويؤثر في جودة الرؤية على المدى الطويل، مما يجعل الوعي بطرق الحد من التعرض له أمرًا أساسيًا للحفاظ على راحة العين وسلامتها.